محاولة نشر المذهب الشيعي: لم يف العبيدييون (الفاطميون) بتعهداتهم بعدم إجبار المصريين على تغيير مذهبهم السني إلى مذهب الشيعة
فأسندت المناصب العليا وخاصة القضاء إلى الشيعيين.
واتخذت المساجد الكبيرة مركز دعاية للمذهب الشيعي.
وتم إضافة منصب جديد يقوم على تعيين أحد كبار المتفقهين في مذهب الشيعة للقيام بنشر دعوتهم، وكان يعرف بداعي الدعاة، وكانت منزلته تلي قاضي القضاة ويعاونه اثنا عشر نقيبًا، ونواب في سائر البلاد، وكثيرًا ما تقلد رجل واحد منصبي قاضي القضاة والدعوة.
وحولوا الشعائر إلى المذهب الشيعي واحتفلوا بعيد الغدير ويوم مقتل الحسين وتضرر المصريون من ذلك كثيرًا.
وفي سنة 395 أمر الحاكم بأمر الله بنقش سب الصحابة على الجدران وفي الأسواق. ثم تراجع عن ذلك سنة 398.
وظهر الاحتفال بمولد النبي –صلى الله عليه وسلم- ومولد ابنته السيدة فاطمة وعليّ بن أبي طالب.
وأذن في جميع المساجد بـ (حي على العمل) فمهد بذلك جوهر للخليفة المعز المجيء إلى مصر، فدخل المعز مصر في شعبان سنة 362 هـ.
ولما دخل قصره الذي أعد له خر لله ساجدا.. وقدمت إليه الهدايا العظيمة الثمينة واتخذت القاهرة عاصمة للدولة العبيدية (الفاطمية).
أضعف ذلك نفوذ الفاطميين في بلاد المغرب، واستقلت بلاد عن نفوذ العبيديين (الفاطميين) بالمغرب..
وقد استأثر المعز بالنفوذ والسلطان في مصر ولم يشأ أن يترك لجوهر من السلطة شيئًا لئلا ينازعه ملكه وبالتدريج فقد جوهر ما كان يتمتع به من نفوذ..
اليهود والنصارى في عهد الدولة العبيدي (الفاطمية)
من الأمور البارزة في عهد العبيديين (الفاطميين)أنهم قربوا إليهم أهل الكتاب من النصارى واليهود!!
ففي زمن المعز استعان بكثير من الأطباء اليهود، وترقي بعضهم في المناصب، حتى صار أحدهم وهو يعقوب بن كلس وزيرًا للعزيز بن المعز، وإليه يرجع الفضل في وضع قواعد الدولة ونظمها.
وتزوج العزيز من مسيحية، أصبح لها نفوذ عظيم على العزيز، فقد حملته على العطف على بني ملتها فاحتفل بأعيادهم ومواسمهم الدينية. وأصبح بدواوين الدولة عدد كبير من كتابهم، واستأثروا بمعظم السلطات..
عين العزيز منشا بن إبراهيم الفرار اليهودي واليًا على بلاد الشام.
في سنة 393 أمر الحاكم بأمر الله أن يرتدي أهل الذمة أزياء خاصة، وبعدها بثلاث سنوات أمر بهدم بعض الكنائس في القاهرة، ومن العجيب أنه في ذات الوقت قلد الوزارة منصور بن عبدون النصراني، الذي أشار على الخليفة العبيدي (الفاطمي) الحاكم بهدم كنيسة القيامة أو القبر المقدس، فأصدر مرسومًا بهدمها. وكان لهدم هذه الكنيسة الأثر الأكبر في إثارة حمية الصليبيين للاستيلاء على بيت المقدس.
واستمر هذا الاضطهاد حتى اضطر كثير من كتاب النصارى أن يدخلوا في الإسلام، وهاجر بعضهم إلى بلاد الدولة الرومانية الشرقية والحبشة والنوبة.
وفى سنة 411 قرر الحاكم أن يرفع عنهم هذا الاضطهاد، ثم جاء الظاهر فعطف على أهل الذمة..
وفي أوائل عهد المستنصر بالله العبيدي (الفاطمي) ارتفع شأن أبي سعد إبراهيم ابن سهل التستري اليهودي، لأن والدة ذلك الخليفة كانت من قَبْل أَمَة في بيته، فلما ولي ابنها المستنصر الخلافة قربت التستري وولته ديوانها، وتحيز التستري لليهود، فتقلدوا في أيامه كثيرًا من مناصب الدولة ولكنه قتل سنة 439 هـ.
ظهور فرقة الدرزية
في عهد الحاكم وفي سنوات حكمه الأخيرة جاء إلى مصر بعض الفرس، والذين راقتهم الدعوة الإسماعيلية فاعتنقوها، وزادوا فيها فكرة تأليه الحاكم، ودعوا إليها فسخط عليهم أهل السنة وطاردوهم وكان أشهرهم والمقرب إلى الحاكم بأمر الله محمد بن إسماعيل الدرزى، وقد هرب إلى بعض قري بانياس (بلدة صغيرة غربي دمشق) حيث أخذ ينشر دعوة تأليه الحاكم، فاستمال إليه كثيرًا من الأنصار الذي أصبحوا يعرفون باسم الدرزية.
وجد الخليفة الحاكم بأمر الله في هذه الدعوة فرصة ليحيط نفسه بسياج من التقديس رغبة منه في جعل رعاياه طوع إرادته..
ثم جاء الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله بعد مضي ثلاث سنوات على وفاة الحاكم، ليعلن براءته من دعوى الألوهية التي قيلت في أبيه.
عهد المستنصر العبيدي (الفاطمي)
في عهد المستنصر (427 - 487) وقعت اضطرابات عظيمة في البلاد:
فالجند السودانيون يثيرون الاضطرابات في الوجه القبلي.
ونحوًا من أربعين ألف فارس من قبيلة لواتة والأعراب، تحت زعامة ناصر الدولة الحسين بن حمدان التغلبي (المتمرد على الخلافة العبيدية الفاطمية)، يغيرون على الوجه البحري وينهبون بلاده ويحطمون الجسور والقنوات، مما ترتب عليه انقطاع المئونة عن القاهرة والفسطاط.
وفى سنة 462 بعث ناصر الدولة إلى ألب أرسلان سلطان السلاجقة بالعراق رسولًا من قبله يسأله أن يرسل إليه عسكرًا ليقيم الدعوة العباسية بمصر على أن تؤول إليه السيادة على مصر، فرحب أرسلان بذلك ولكنه انشغل بمحاربة الروم عن مصر.
وفى سنة 464 قطع ابن حمدان اسم المستنصر من الخطبة في الوجه البحري، وبعث إلى الخليفة القائم العباسي ببغداد يلتمس الخلع، ثم قدم إلى الفسطاط وتولي الحكم في القاهرة، وأطلق للخليفة مائة دينار كل شهر وخشي الأتراك على أنفسهم من جراء استبداد ناصر الدولة بالأمور في القاهرة، فدبروا لقتله فقتل وتتبعوا كل أفراد أسرته بمصر وتخلصوا منهم.
ثم تسلطت الأتراك واستبدوا بالأمور دون المستنصر سنة 466، فبعث إلى بدر الجمالي والي عكا يطلب منه القدوم ليتولى تدبير شئون الدولة، فاشترط أن يحضر معه من يختاره من عسكر الشام (أرمن)، ليستعيض بهم عن الجند الأتراك والمغاربة والسودانيين الموجودين بمصر.
وبدر الجمالي كان مملوكًا أرمينيًا للأمير جمال الدولة بن عمار، ثم أخذ يترقي في المناصب لما أظهره من كفاية في الحروب التي قامت ببلاد الشام، حتى ولي إمارة دمشق من قبل المستنصر سنة 456 وحارب الأتراك في تلك البلاد ثم تقلد نيابة عكا سنة 460 هـ.
بدأ الجمالي بقتل رءوس الأتراك فاستتب له الأمن، وكان من جنده من احتفظ بمسيحيته، واستطاع الجمالي أن يعيد نفوذ الخليفة على جميع بلاد الوجه القبلي حتى أسوان وكذلك الوجه البحري، وبني جامع العطارين وأعاد الرخاء فزاد خراج مصر في سنة (457 –464) من 2.000.000 دينار إلى 3.100.000 دينار، وتوفي الجمالي سنة 487 وعهد لابنه الأفضل شاهنشاه.
وظل المستنصر في عهد وزرائه كالمحجور عليه إلى أن توفي في 17من ذي الحجة سنة 487 هـ، ومع وفاة المستنصر بدأ العصر العبيدي (الفاطمي) الثاني حيث زادت سلطة الوزراء.
الكاتب: د. راغب السرجاني
المصدر: موقع قصة الإسلام